الأحد، 4 أغسطس 2013

الروح والمادة



في زمن الثورة المهولة في وسائل الاتصالات وتناقل المعلومات والافكار لم يعد بأمكان فكرة ما ان تحافظ على ذاتها بمنأى عن النقد والتساؤل,اذ ان الافراد -في السابق- كانوا يولدون في مجتمعات تعتمد ايديولوجيا معينة -دينية او غير دينية- فلا يطرأ ببال معظمهم نقد او تساؤل او شك,كما لا يتوافر عندهم نماذج لنظم اخرى كي يقوموا بمقارنات مع منظومتهم ,لذلك كانت الدعوات للتغيير محدودة يقودها الانبياء والمصلحون والمفكرون الكبار وتواجه برفض شديد على الاغلب.

اما اليوم فقد اصبح بأمكان اي شاب ان يتلقى في مكانه عن طريق جهاز الموبايل الصغير كماً هائلاً من الهجوم والتشكيك والدعاية والافكار السلبية والايجابية,البريئة وذات الغرض...
ولأن عصر السرعة والتكنلوجيا والاقتصاد التنافسي هو السائد فأن هذه التأثيرات تورث لجيل الشباب الصاعد شكوكاً مختلفة لا يسمح لهم ولا يشجعهم ان يخصصوا من وقتهم الثمين للبحث الفكري المتعمق...لذلك تسود حالة الشك فحسب...والابتعاد التدريجي عن القيم...وعن الدين لدى البعض المثقف خاصة الذي تجاوز الاستقطابات الطائفية....اما الذي مازال متعصباً لطائفته فأنه يمر بذات الطور ولكن على مستوى التصرفات العملية...بينما يبقى الظاهر مؤمنا غيوراً...
كما ان لمعة الحياة المادية,ومغرياتها...الاجهزة الحديثة والسيارات و الاباحية و الملابس المبهرجة والحفلات الصاخبة...كل هذه المغريات- في غياب خطاب ديني عميق- اوقعت الشباب في غياهب التيه,وظنوا ان تلكم المباهج هي الحياة....وان قيود الدين انما تحرمهم من كثير منها...
ولن اذكر هنا الخطاب الديني البائس والسلوك السياسي الديني الضحل فقد افردتُ له ما يكفي...

وفي الحقيقة فان التجربة الدينية ليست قيداً على الانسان....وانما هي نضالٌ للانسان كي يتحرر من قيده,شيءٌ يشبه الحمية,تحافظ على نظام سليم وصحيح لحياة البشر وسطٌ بين الافراط والتفريط...
ان الانسان كائن منظم,اشتغل منذ وُجد بالانظمة والقوانين التي تنظم حياته,ولا بد له من قاعدة اخلاقية صلبة يستند اليها,واؤكد على السير بالاخلاق لأنها اخلاق فقط.حقائق ينبغي ان تكون مطلقة...بعض المفكرين اللادينيين حاولوا ان يقولوا ان اصل الاخلاق راجع للمصالح,وهذا تدمير لأصل فكرة الاخلاق...هذا يعني انني لا اقتل كي لا أُقتل...وكي لا احاكم...ولو امنت من اي من العقابين وكان لي مصلحة في القتل اضمن فيها السلامة فليس هناك شيء مطلق يمنعني...وهذا منتهى العبث....وقس على ذلك بقية الامور...
اما التجربة الدينية الصحيحة فأنها تحمل الانسان مسؤولية ان يضبط نفسه في كل شيء...وان مصدر هذه المسؤولية ليس المصالح الاجتماعية النسبية....بل الله...الخالق العظيم الجليل المطلق...وحده فحسب"لا شريك له"...الذي هو حاضر في السر والعلن يدعو الانسان الى نفسه ويذكره بمسؤوليته...
هذه التجرية تدعوه الى ان ينظر الى المادة بعين الوسيلة لا عين الغاية...بمعنى ان يكون جمع المال لتوفير حياة كريمة للعائلة...ولمساعدة المحتاجين بما فاض منه...وليس غاية بحد ذاته...وهو احقر من ان يكون محكاً لتقييم البشر...وُصفت المادة بالنعل...ضروري ومهم ان يكون تحت القدم للمشي....عار ان يكون فوق الرأس...
ان تكون العلاقة العاطفية بداية لشراكة حياة كاملة من بناء الاسرة وخدمة البشرية وليست الغاية هي المتعة الحسية بحد ذاتها...
وقس على ذلك...
ويأتي التساؤل...ما هي الغاية التي يضعها الانسان نصب عينيه اذاً؟
ويأتي الجواب:
التحرر من سلطة الشخص والمادة والانتماءات القبلية والطائفية والالهة الزائفة....ثم بدأ ممارسة الرسالة الكبرى....الاصلاح.."وما ارسلناك الا رحمة للعالمين"...وهذه هي الغاية التي ينبغي للانسان ان يسير بمسارها سيراً ملزما مطلقاً لا التزاما فرضته المصالح...
ومهما انغمس الانسان في المادة فأنه لا سيظل يشعر بنقص...وسيظل يشعر بتيه...وحيرة,وكأنه يحتاج الى المزيد من شيء لا يدري ما هو,فهذه الاغراءات ليست الا صوراً فارغة,طرقاً ووسائل مسخرة لتحقيق الغاية ولا تصلح ان تكون غاية بحد ذاتها,حالها حال رجل اراد الذهاب الى مكة....فوصل الى شارع كتب عليه"طريق مكة" فجلس هناك...
اما الانسان الذي عرف غايته...فأن سعيه في تحقيقها سيكون مفعماً بالطمأنينة...ورحلته تغص بالمعاني....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق