الاثنين، 24 فبراير 2014

المعتزلة

"العقل: اول الادلة
الشريعة: مصلحة العباد"

يشكل الشرق-الاوسط خاصة- المركز الروحي والديني في العالم,يكفي ان ثلاثة من ابناء النبي ابراهيم الذين يلهمون اليوم اكثر من نصف سكان العالم ولدوا في اماكن متقاربة قربا غريبا,موسى ويسوع ومحمد.
والميزة التي تختص بهذه الاديان هي تلاقيها الدائم والمستمر بالشان السياسي وعبورها لحدود الجغرافيا و العرق والثقافة القبلية-عدا اليهودية الى حد ما-على عكس الاديان الروحية الاخلاقية العظيمة كالبوذية والكونفوشيوسية و الزرادشتية حتى.
وهذا التعالق المعقد بين القصر والمعبد-الذي بالمناسبة صوره بشكل رائع استاذي د.طه الشبيب في "وديعة ابرام"- جعل لهذه الاديان اثرا في المشهد السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي وفي كل بقعة من العالم الذي يزداد اقترابا يومياً بفعل التكنولوجيا و يزداد تأثرا بأجزاءه التي كانت يوماً قصية منسية.
ولا يخفى على ملاحظ ان من اكبر هموم عالم اليوم-ربما بعد الهم الاقتصادي- هو ظاهرة الارهاب,ذلك المخلوق المشوه الذي خرج من كهوف التاريخ برعاية امريكية لكي يقاتل السوفييت ثم انتشر وباءاً ملعوناً يفتك بكل ما هو حي -وما هو ميت- لا يعرف حدوداً جغرافية او اخلاقية.
وان تعمقنا كثيراً نجد ان ظاهرة الارهاب تستند على جذور فكرية غذتها عوامل اجتماعية وسياسية كالاستبداد والفقر و الكبت والانقسام الطائفي و ما الى ذلك مما يحتاج ان يُفرد له.
اما جذوره الفكرية فتعود الى مدرسة اسلامية دينية متشددة تُعرف بالسلفية او الوهابية,تلك المدرسة التي تفسر نصوص الدين تفسيراً مجتزئاً وحرفياً مرتبطأ بالتقاليد الاجتماعية القاسية لمناطق البداوة وتعلن ان كل من لم يلتزم بهذه التفسيرات كافر تُعلن عليه الحرب.
وفي ظل عجز مؤسسة الاسلام السني الرسمية-كالازهر مثلاً-على مواجهة هذا المد بسب ضعفها وارتباطها بأنظمة الحكم وخوفها من العامة في ظل استقطاب طائفي,وفي ظل انزواء مؤسسات الشيعة على تقاليد وخرافات ادت لأنعزال تام عن بقية المجتمع اصبح السؤال الملح هو ان كان يوجد عند الاسلام ما يقوله لمواجهة غزوة الجراد تلك التي تأكل بأسم الله وبأسم محمد اخضر المسلمين ويابسهم وتجعل سواهم في قلق دائم من ان تطال مطاراتهم و محطات قطارهم تلك الجرثومة الخبيثة.
للاجابة على هذا السؤال علينا ان نجيب عن سؤال اخر,ما هي نقطة انقلاب الفكر الاسلامي من فكر يحتضن العلوم التجريبية والمنطقية ويترجم ما الف العالم اجمع الى مصنع تفخيخ كبير؟ومتى وكيف حصل ذلك؟
يعود بنا التاريخ الى عهد الخلافة العباسية,حيث كانت فرقة اسلامية تُعرف بالـ"معتزلة" تقود الجدل الفكري والفلسفي واللاهوتي والفقهي والسياسي في العالم الاسلامي الذي يعج بالاطباء والمفكرين والكيميائيين والمترجمين المؤمنين والزنادقة,السنة والشيعة,المسلمين وغيرهم...
قامت فرقة المعتزلة على قاعدة صلبة وهي الاستناد على العقل والمنطق في اتخاذ المواقف والتشريعات وتبني العقائد,وقالت ان نصوص الفقهاء جميعا ان لم تكن منطقية وتخدم مصالح المجتمع يرمى بها عرض الجدار...واكثر من ذلك,حتى النصوص الدينية المقدسة يجب ان تُفهم بطريقة تتوافق مع قواعد العقل وان كان هناك نص يتعارض ظاهره مع العقل يجب ان يؤول تأويلا يتفق مع العقل.
لذلك يلاحظ القاريء ان المساجلات الفكرية في التاريخ كانت اكثر رقيا وتحضراً وقيمة بكثير من مناقشات الحاضر,فبينما كان النقاش سابقاً عن القضاء والقدر والتسيير والتخيير و طبيعة النبوة و العدل و المنطق الارسطي اصبحت نقاشات اليوم هي مفاضلات بين هذا الخليفة وذاك و نقاشات عن طريقة الغسل و الفرق بين الفساء بصوت وبدون صوت و امكانية نكاح الجن وما شابه...

وهذا الجدل العقلي الذي انفرد به المعتزلة برز بشكل كبير في ما يتعلق بالذات الالهية,فالايات القرآنية التي تتحدث عن"يد الله فوق ايديهم" و"السماوات مطويات بيمينه"و"الرحمن على العرش استوى" فهمها المعتزلة بمعنى المجاز..اي القدرة والاحاطة والوجود لا معنى اليد الجسمي المادي كما فهمها غيرهم وخفضوا صورة الذات الالهية المطلقة...وهكذا بقية الامور.
للمعتزلة اصول دينية اهمها

 التوحيد:وهو وحدانية الله الخالق المطلق الذي لا يخضع للزمان والمكان كلي القدرة والوجود ورفضوا التجسيم والتجسيد.
العدل:وفي هذا ثار المعتزلة ثورتهم الكبرى اذ قالوا ان الانسان مختار في افعاله ونفوا ان الله وضع للانسان قدراً وقالوا ان الله عادل ولا يمكن لله ان يحاسب عبداً على عمل قدره عليه مسبقاً,وبذا قالوا بالاختيار الكامل للانسان وان الله لا يفعل الا خيراً وان الشر ان كان فأنه من الانسان.
الحسن والقبح العقلي:اعتمد المعتزلة على العقل والمنطق ففي تحديد ما هو صحيح وما هو خاطيء وقالوا ان الله لا يأمر الا بما هو حق وعدل وحسن وكانوا يؤمنون بتقديم العقل على النقل ان تعارضا لأن العقل اصل والنقل ظني الدلالة وبعضه كالحديث ظني الدلالة والثبوت.
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر:وهنا ايضا تبرز ثورية المعتزلة الذين اوجبوا على كل مسلم ان يأمر بالحق وينهى عن الظلم واجازوا بل اوجبوا الثورة على السلطان الجائر و ضربوا بمفاهيم الفقه التي تدعو الى ان السلطان قدر من الله نائب عن الرسول واجب الطاعة وان ظلم.
المنزلة بين المنزلتين:قال المعتزلة ان مرتكب الكبائر له منزلة بين المنزلتين فلا هو مؤمن ولا هو كافر فأن تاب اصبح مؤمنا والا تعرض للعذاب الاخروي وبذلك كانوا وسطاً بين التكفيريين الخوارج الذين حكموا بكفر وقتل المذنب وبين التدين الرسمي الذي يخدر المجتمع بالمواعض ليؤخر نهضته وتحمله للمسؤولية في تصحيح اوضاعه.

كان المعتزلة اهل مناظرات مع الملاحدة والزنادقة وسائر الفرق.اساتذة فلاسفة منهم الجاحظ الموسوعي المعروف -ويقال انه اول من اشار الى الانتخاب الطبيعي للاحياء-والشاعر والمؤرخ ابن ابي الحديد والقاضي عبد الجبار والمفكر الكبير النظام المعتزلي.
والانقلاب الاكبر الذي حصل في تاريخ الاسلام هو حين حصلت فتنة تعرف بخلق القرآن ملخصها ان المعتزلة وبعض الفرق الاخرى قالوا ان القرآن الكريم مخلوق بمعنى انه ليس ازلياً لأن الله هو الازلي الوحيد ولو كان القرآن ازليا لكان الهاً ثانيا بينما قال تجمع لفرق اخرى يقوده الامام احمد بن حنبل ان القرآن ازلي وحصل اشتباك كثير في هذا الموضوع وهنا ظهر للنور للمرة الاولى مصطلح"اهل السنة" مقابل"اهل البدعة" كما اطلقوا على المعتزلة...
وقام الخليفة المأمون بمناصرة المعتزلة فحبس الامام احمد بن حنبل وغيره واجبر الناس على القول بقول المعتزلة فلما مات المأمون ناصر الخليفة المتوكل الاتجاه السلفي الاكثر تشدداً في تيار"اهل السنة" الجديد وقاموا بأبادة المعتزلة ابادة شبه تامة ولم يبق من تراثهم وكتبهم الا الشيء القليل,بل يُقال ان معظم ما وصل عن عقائدهم هو من كتاب اكتشف في اليمن بالصدفة.
وكانت هذه نقطة التحول التي حولت العالم الاسلامي من حاضنة للعلم والفلسفة الى بقعة موبوئة تعج بالصراعات والعادات الغبية ومنذ ذلك الحين ونحن في انحدار مطرد نحو هاوية التشدد والتطرف.
وبينما نزع بعض الشباب الى تبني النموذج الغربي على علاته وعلى عدم اتساقه مع مجتمعنا وعاشوا اغتراباً فكرياً مضنياً
 يسعى مجموعة من المثقفين منهم بعض الاصدقاء الى اعادة احياء فكر المعتزلة لحاجة الفكر الاسلامي الشديد اليه...
اصدقائي...
واقعنا في هذه اللحظة اننا امة ركنت العقل جانباً وباتت كل فئة منها تحمل مجموعة من النصوص المتوارثة عن فلان عن علان تكفر بها اختها وتصنع طغاة تستبدل بهم اخرين,تعتاش على ما يصنعه العالم,ولا تصدر الا شحنات الموت و بعض الكفاءات الهاربة من حوض الجنون والدم والنفط هذا....
لقد كان المعتزلة واخرين كالفلاسفة و الصوفية نقطة مضيئة في التاريخ مُحيت بفعل جنون مطرد مستمر...يتحمل كل شاب وشابة منا مسؤولية ايقافه,فأن هذا العرض الهزلي ان استمر,ستتحق نبوءة اخرى ل"عادل امام"..سيموت البطل والمخرج والمتفرجون-المتفجرون- جميعاً.

هناك 4 تعليقات:

  1. سلمت يداك مقال جميل تمنياتي ان تستمر وتتعمق اكثر محبتي لك

    ردحذف
  2. تحية لك صديقي مقال جميل لكن رأيي البسيط انك عند طرح الموضوع اشرت للمدرسة الشيعية "انزواء مؤسسات الشيعة على تقاليد وخرافات ادت لأنعزال تام عن بقية المجتمع " اعتقد جازماً انك لما تتطلع على ما كان يحدث للمدرسة الشيعية في ايام الحكم العباسي و الحكم و الاموي هذه نقطة و النقطة الاخري اعتقد جازماً ايضاً انك لم تطلع على ما دار من مناقشات داخل المدارس الدينية ضد المدرسة الشيعية و كيف كان للمدرسة الشيعية التفوق على كل المذاهب و حتى الاديان اضافة الى محاربة الاسرائيليات التي ادخلت لتشوية الدين الاسلامي, للعلم الاسرائيليات بدأت بعد وفاة النبي محمد صلى الله علية و اله و سلم .
    فلوكان موضوع على المدارس الاربعة و كيفية محاربة المدرسة الوهابية لكان مقال يشار له بالبنان بكل للكلمة من معنى , اما ان تذكر مدرسة و تنسى ان تذكر ما قدمته اعتقد اما عدم معرفة او تجاهل و في الحالتين النقطة لا تصب في صالحك .
    و تحياتي لك

    ردحذف
  3. مقال لا اعتراض عليه

    ردحذف
  4. هناك اكثر من مجموعة للمعتزلة في القيسبوك لمن اراد الإنضمام والتعرف او الحوار مع الأعضاء.

    https://www.facebook.com/groups/113652878724755/

    https://www.facebook.com/groups/293485180749768/

    ردحذف