الأربعاء، 29 يونيو 2011

التغيير...قلب و جناحان


لقد فرضت نسائم الربيع العربي جملة من الاستحقاقات المهمة التي لا يمكن التغافل عنها او التهرب منها و يجب ان اشدد على ان هذه الاستحقاقات لا تقع على الحكومة او البرلمان او الطبقة السياسية لوحدها بل انها تقع علينا جميعا...نعم علينا جميعا.
لقد عاشت الدول العربية منذ عقود في ظل لعبة التفاوض السري فوق و تحت و احيانا بدون الطاولة بين النظام و المعارضة الوصولية التي يتسيد طيفها الاسلام السياسي و لم يكن ليغير هذا الوضع الا دخول المواطن العربي البسيط على الخط و فرضه قواعدا جديدة للعبة تمحى بموجبها رموز النظام و تروض المعارضة لتُساق وفق رغبات الشارع لا العكس.
ان قلب هذا التغيير هو المستوى الفكري و الاجتماعي –وهو الاصعب- و يتضمن تغييرا جوهريا لنمطية تفكير المجتمع العراقي و التحول به من التوجه الاقصائي الى توجه يتقبل الاخر بل و يتقبل ان يسير خلف الاخر في مشروعه المخالف بالضرورة للمشروع الاول اذا فرضت ذلك صناديق الاقتراع.
يتطلب ان يتحول التفكير الديني من مشروع للتربح و التضخم الذاتي امام الاخرين و اتخاذ هيئة "المتدين" لأغتصاب مكانة اجتماعية او سياسية غير مستحقة الى صفاء نفسي و روحي و اخلاقي مستمد من منابع الدين و جوهره لا بعض ما رسب عن تاريخه من مياه اسنة.
يتطلب بشكل اساسي وعي فكرة مدنية الدولة و انها لا علاقة لها بالسماء فهي ليست دولة المسيح او المهدي المنتظر او امارة المؤمنين بل كيان جماعي للمؤمنين و غيرهم مبني على عقد تعايش متساوٍ بين مجموعة من البشر على ارض الطين لا في سماء الدين.
ان هذا الكلام ليس بجديد لكنه ظل كلاما فقط و انا احمل النخب الليبرالية و العلمانية كامل المسؤلية عن ذلك فهذا الفكر بحاجة الى قادة له على الارض لا مجموعة متمنطقين يقضون معظم ايامهم في الخارج-رغم ان بعضهم من نواب الشعب- لكي يتزايدوا بحملاتهم الانتخابية ايام الاقتراع ثم يعودون بعدها الى الخارج ليطلقوا التصريحات الرنانة ....و هلم جرى.
حان الوقت للتصدي الفكري الفعال لحملات الانحدار الحضاري التي يقودها المتأسلمون في العراق و يستدر منها رموز العلمانية الدعم المالي و الاعلامي بجعجعة دون طحين.
لقد ملئت الشوارع بحملات "تصحيح" الحجاب و الهجوم على الموسيقى و الغناء و "الاختلاط" في الجامعات بينما كان غالب العلمانيين الا ثلة منهم مشغولين بأستحداث مناصب تناسب مقاساتهم "الواسعة"ما لم تتسع له احلام شباب يبيعون (الكلينكس) في الشوارع و نساء كل وظيفتهم هي متابعة تصاميم الموضة التي تبدعها مخيلات بعض رجال الدين السياسي و "كأن رسالات الدين كتالوج للخياطين" كما قال مطر.
حان الوقت ان نأخذ على عاتقنا هذه المهمة و لا اعني هنا فقط الخروج في تظاهرات متواضعة في العدد لأسقاط رمز سياسي كي يحل بدلا عنه اخر بينما تبقى اوضاعنا هي هي كأننا لم نتعض من لعبة الستغفال التي تمارس معنا منذ عقود.

ان هذا المسعى يتطلب جهدا و ابداعا في تنظيم اعلام توعوي و تثقيفي يشطب ثقافة "جنب الحائط" و يبني محلها ثقافة تهدم الجدران لتبني بدلا عنها المصانع.
اما جناحا التغيير فهما الاصلاح السياسي و الاصلاح الاداري:
اما بالنسبة للاصلاح السياسي و سأقفز على ما تراشقته الايدي و الالسن من عموميات مجة لأدخل في الموضوع مباشرة و هو اننا نطالب بنظام سياسي ديموقراطي رئاسي ننتخب فيه الشخص الذي نجد ان بوسعه ادارة دفة البلد لأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة انتخابا حرا و مباشرا و بأغلبية مطلقة تنتجها مرحلة ثانية من التصويت بين المتنافسين صاحبي النسبة الاعلى ان لم تفي المرحلة الاولى بذلك.
ان هذا النظام سيلغي لعنة المشاركة و المحاصصة و سيتيح للجمهور ان يختار و ان يحكم و ان يحمل المسؤلية لمن يراه مناسبا و ان تكون له صلاحيات موسعة لتنفيذ مشروعه دون ان تكبله ايادي المنافسين لأغرضهم الخاصة.
نطالب ايضا ان يكون لنا برلمان حقيقي ننتخبه بأقتراع حر و نزيه سري و مباشر بحيث يكون لنا مقعد برلماني لكل دائرة انتخابية ومع تخصيص نسبة من المقاعد للقائمة النسبية كي لا نقع في فخ الوجهاء المحليين.
نطالب ان تكون لهذا البرلمان صلاحية الرقابة على المؤسسات و التشريع و ان لا يتدخل بعمل السلطة التنفيذية وان لا يكون له صلاحية اقالة او تعيين الوزراء و غيرهم الا بأغلبية الثلثين لضمان توازن حقيقي يمنع التفرد من جهة و التعطيل من اخرى.
نطالب بقانون للاحزاب يجبرها على الكشف عن مصادر تمويلها وتمويل حملاتها و تحديد هذه المصادر و منع تكون اي حزب على اسس مذهبية او فئوية.
اما بالنسبة للنظام الاداري فنطالب بتشكيل مؤتمر اصلاح وطني يضم الاساتذة المتخصصين و اصحاب الشهادات العليا في مجال الادارة مع اخذ مشورة الجهات التي حققت قفزة في نظامها الاداري لصياغة نظام رشيق و فعال لا تستهلك فيه طاقات المواطن و اموال الدولة هباءا منثورا و ان تكون هناك رقابة فاعلة على هذه الجهاز المختزل لا ان ننشيء مؤسسات مترهلة لملاحقة اخرى و تدور الحلقة المفرغة على مليارات من الدولارات تتبدد دون جدوى.
نطالب ايضا بخطة تفصيلية مجدولة وعملية للتحول التدريجي الى اقتصاد السوق الحرة مع الحفاظ على هيبة الدولة و سيادتها على المفاصل الحيوية و حسب رؤى المتخصصين في مجال الاقتصاد.
نطالب بتوسيع صلاحيات الجهاز القضائي و حماية استقلاليته و ضمان رقابته الدائمة على الاجهزة الامنية.
اما كحزمة عاجلة للاصلاح فنطالب:بحل الحكومة الحالية او ترشيقها الى ما يقارب النصف على اقل الحدود و الغاء المحاصصة بحيث يقود من يحصل على ثقة مجلس النواب بأقتراع لمرحلتين ايضا على فرصة تشكيل حكومة نلزمه كحراك جماهيري ان يشكلها من المتخصصين كحكومة (نهضة وطنية) و ان تتحول الاطراف الاخرى الى صف المعارضة البناءة و لحين تحقيق الاصلاحات القانونية و الدستورية المطلوبة و لا نضع خطوطا حمراء على اي مرشح تدخلنا في الة الترويج الاعلامي لهذا الطرف او ذاك.
و ايضا نطالب بحل و اعادة انتخابات مجالس المحافظات وفق نظام المقعد لكل دائرة.
نطالب بالزام وسائل الاعلام بالكشف عن تمويلها و السماح لوسائل الاعلام كافة التي تلتزم بالضوابط القانونية بالعمل بكل حرية ودون مضايقة و كشف الاعلام المريب و المشبوه علنا و بالوثائق لتسقط عن الجميع ورقة التوت و يصبحوا عراة امام شعبهم و حماية و دعم التظاهرات السلمية و عدم المساس بها لا فعليا و لا اعلاميا و حماية الحريات العامة و الشخصية كما ينص القانون و انهاء تدخل الايديولوجيات المختلفة بالحياة العامة.
ربط الهيئات المستقلة بمجلس القضاء الاعلى مع التنسيق مع مجلسي الوزراء و النواب في الامور ذات الصلة.
اطرح عليكم هذه المطالب بأعتبارها مسودة حل لا يسرح في العموميات و لا يدخل في التجاذبات الشخصية فأن اكثر ما نخافه على الحراك الشعبي هو التسييس و ان يساق لخدمة الحيتان المتصارعة على خبزنا و خبز ابناءنا.
واخيرا اختم بقوله تعالى:"ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"...والختام سلام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق