الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

تأملات وجدانية....2 -الدين القيم

.
مع اطلالة شهر رمضان اعود مرة اخرى الى بحثي الصعب عن الروح في زمن افضل ما اصفه به :الحيرة
من الصعب ان ارى النور بينما تملأ الخفافيش افق حياتنا في نمط تصاعدي لتسرق منا كل شيء جميل عرفناه و كل ما تربينا عليه من قيم,لقد بدأنا نرى دينا اخر يحل محل ما نعرفه و نحبه,دين مدجج بكل الشعارات و المظاهر الاسلامية التي يستخدمها لضرب جوهر الفكر الاسلامي كي تطمس معالم هذه التجربة الروحية و الفكرية الرائدة في وحول التفاهة المفرطة التي اراها مع كل لحية و عمامة على الفضائيات و في الصور التي تملأ الشوارع و مواقع الانترنت في ما اصبح اشبه بالموضة.
يصور الفقهاء الدين على انه مجموعة من الاوامر و النواهي الدقيقة التي يجب على الانسان ان يتبعها كي يكون مسلما حقيقيا و من الملاحظ ان هذه الاوامر تأتي عادة عن طريق هؤلاء الفقهاء الذين يعملون على ارجاع الناس اليهم في كل صغيرة و كبيرة تتعلق بالملبس و المأكل و دخول الحمام و اكل البطيخ و قلي الكشمش....الخ بينما يحاربون اي سعي للانسان العادي لأعمال عقله في هذه القضايا البسيطة بأضفاء درجات عالية من التقديس حول ذواتهم فهم قضوا عقودا في دراسة الدين و هم علماء طب و فلك و قانون وهم ادباء و لُغويون و و.... بينما لا نجد في نتاج معظمهم الا موادا غثة لا تلامس اي مسألة فكرية عميقة الا من باب التحريم و التحليل.و عادة يدخل الفقهاء مواسم السباق بينهم عندما يتبارون في ابراز خلافاتهم و اذكاء النقاش حولها فينقسم الشارع بينهم و كثيرا ما نلاحظ ذلك كما في رمضان عندما يحدد كل منهم يوما معينا لبدء الصوم في اكبر استعراض للمؤيدين-المساكين-بينما ينشؤون الفضائيات بأموال اقل ما يقال عن مصادرها انها مثيرة للجدل كي تبرز خلافاتهم الفقهية و المذهبية و الدينية و تطفو على السطح بطولات فارغة لأشخاص كل دورهم هو مهاجمة المذهب و الفكر و الدين الاخر ليس الا من قائمة القافزين الى الهاوية في مسلسل هزلي هدفه الهاء الناس عن التفكير في اوضاعهم و مستقبل اطفالهم و سبل بناء المجتمع الناهض بينما يكون معظم هؤلاء الفقهاء اولو علاقة متينة-ظاهرة او باطنة- مع السلاطين و الحكام او القوى الخارجية في اتفاق غير معلن على تشتيت تفكير المواطن العربي عن الامور ذات الاولوية الحقيقة الى نقاشات غيبية و تاريخية وقشرية لا جدوى منها على الاطلاق.
سأتحدث عن الدين و الاسلام من منظور مختلف هذه المرة  تاركا للقراء التوصل الى استنتاجاتهم الخاصة في هذا الخصوص و رغم اني سأتحدث عن الاسلام الا ان مغزى الطرح سيكون شاملا لكل الاديان فجوهر الدين واحد و جوهر الفقهاء وحد ايضا عند المسلمين السنة و الشيعة و المسيحيين و اليهود و غيرهم.
ان الدين اساسه المتين هو علاقة وثيقة بين الحق"الله" و الخلق"الانسان",و بين الانسان و الانسان الاخر اساس هذه العلاقة هو الحب و هذا هو مغزى قول الرسول الاكرم محمد(صلى الله عليه و اله):"هل الدين الا الحب"
ان هذا الحب يتجلى سيرا بأتجاهين الاول اتجاه عمودي نحو الله عز و جل فهو العشق الاوحد و الازلي,عشق الروح و شوقها نحو منبعها الاول الذي نفخها في جسد ادم فأحياه وان هذا الحب ليس حبا عن جهل بل هو حب عن معرفة و ناتج عن التدبر في الكون و التعمق في ما وراء المادة و الغوص في اسرار الخلق كي يتحق اليقين المؤدي الى الحب فالعبادة كما قال علي بن ابي طالب عليه السلام"ما عبدتك طمعا في جنتك و لا خوفا من نارك و لكني رأيتك تستحق العبادة فعبدتك",ان كل دعاء و كل صلاة و كل مناجاة هو نداء المحب الى حبيبه,هذا الحب يتجلى ايضا بعلاقة افقية نحو الانسان الاخر قوامها التعارف و التعاون و الاحسان و المساعدة  و الصدق و العدل و الاخلاق الحميدة, و هنا تتكرر كثيرا في القران الكريم عبارات مثل"الذين امنوا و عملوا الصالحات"و "الصلاة و الزكاة-بمعناهما الاشمل-"في اشارة الى هذين البعدين –الافقي و العمودي- للدين.
ان تصور الانسان في الاسلام مختلف تماما عن النظرة الشائعة فالانسان هو خليفة الله في الارض و تعبر المسيحية عن هذا الموقف فتصف الانسان المؤمن بأنه"ابن الله" وهنا ترتقي في الاسلام مكانة الانسان الى درجة عالية اذ يرد في الحديث"قلب المؤمن عرش الرحمن" و في حديث قدسي"ما وسعتني السماوات و الارض و وسعني قلب عبدي المؤمن"و ورد"الانسان كيان الله,ملعون من هدم كيان الله".
ان محاولتنا ان نضفي على الانبياء و الاولياء صفات ملائكية انما هي في الحقيقة حط من قدرهم و اقلال من منزلتهم عن جهل دفع البعض الى ان ينسبوا لهم صفات تعارض انسانيتهم و تفقدهم القدرة على ان يكونوا قدوة لغيرهم فلو كان النبي او الامام كالملائكة من طبيعة غير طينة البشر فكيف لنا ان نقتدي به؟؟؟؟
ان منزلة الانسان في الاسلام تفوق الملائكة الذين يصورهم القران الكريم و هم يسجدون لأدم خليفة الله في تكريم كوني للانسان الذي تحمل الامانة امانة الحب الالهي و خلافة الارض و اعمارها بينما ابت و اشفقت منها السموات و الارض و الجبال في ملحمة رائعة قل نظيرها.

ان الانسان هو مزج بين الروح الاهية و بين الجسد الطيني و هو بذا يقع بين رغبات و شهوات و غراز الجسد المشابهة لسائر الحيوانات و بين تطلعات و قيم الروح نحو العدل و الصدق و الانصاف و الخلق و الابداع و الاختراع و تسخير الارض للانسان.
لم يطلب الله من الانسان ان يهمل رغبات جسده و يقمعها كما يروج بعض المتدينين بل طلب منه ان يسيطر عليها فقط,طلب منه ان يخضع هذه الغرائز لسلطان عقله و قلبه لا ان تجره هي الى مهاوٍ غير محمودة.
ان على الانسان ان يحقق التوازن بين الروح و الجسد كي يتمكن من القيام بمهمته في الخلافة و اعمار الارض و ان اي خلل بهذا التوازن سيطيح بالانسان و اهدافه حتما و هذه هي فلسفة الصوم مثلا,سيطرة على رغبات النفس ليس بالطعام و الشراب فقط بل بالسب و الشتم و الاذى و البغض و الضغينة و كل ذلك مما لا يلتفت اليه رجال الدين مما لا يعود عليهم بنفع مادي او معنوي.
ان الدين هو صلة بالاصل,و تزود من المنبع اللامتناهي من اجل النجاح ببناء انسانية افضل,و الدين يمكن ان يُستخدم ايضا كسلام دمار شامل يقضي على انسانية الانسان و يحوله الى الة قتل و تعذيب و اضطهاد و تخريب في يد الممسكين بزمامه و المدعين بأنهم دون غيرهم الناطقين بأسم الله على الارض.
ان هذا المقال لعلي اطلت فيه هو شرح لغايا وجود الدين العامة و عسى ان اتحدث في المقال القادم عن الاسلام في معانيه و رمزه و طقوسه.
اختم بهذه الابيات للامام العارف محي الدين بن عربي و تتجلى فيها القيم الانسانية بصورة رائعة:


لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي** اذا لم يكن ديني الى دينه داني
وقد صار قلبي قابلا كل صورة** فدير لرهبان ومرعى لغزلانِ
وبيت لأوثان وكعبة طائف **وألواح توراة ومصحف قرآنِ
أدين بدين الحب أنى توجهت** ركائبه فالحــــب ديني وايماني



هناك 9 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. how do we accept it?
    عندما يولد الانسان في مجتمع مغلق يضفي هالة من التقديس على شخصية معينة يصبح من الصعب عليه ان يتجاوز هذا الحاجز خاصة اذا كان من طبقات فقيرة او قليلة الثقافة لا يتوفر له المجال الكافي للبحث و الدراسة الفكرية,ان مجتمعاتنا تصور رجال الدين على انهم هم الاعلم قطعا بالدين و ان على الانسان اي يدرس ملايين الكتب و لعشرات السنين كي يصل الى علمهم و تقواهم,وهذه الثقافة تزرع في عقول الناس منذ الطفولة كي يمرروها بدورهم الى ابناءهم و هكذا,
    من جهة اخرى يسعى زعماء الطوائف الى ترسيخ ثقافة الخوف من الاخر و التشكيك به مما يحول هؤلاء الزعماء الى مصدر الحماية الوحيد لأتباعهم خاصة في غياب دولة المؤسسات وهنا تترسخ سلطتهم و مكانتهم في مجتمعاتهم.

    ردحذف
  4. What's the anthropological basis for such control of the population's priorities?
    ان الانسان عادة في طبعه يحب ان يكون جزئا من شيء اكبر,شعور بالانتماء الى جماعة قوية تعينه و تحميه بالضد من جماعة اخرى تستهدفه,يكون هو على حق و هم على باطل.
    وبالتالي عندما يرى الانسان على عشرات الفضائيات شيوخا يسبونه و يسبون مذهبه,واخرين من جماعته يذبون عنه و عن دينه,عندها تتحول الاولوية الى تثبيت حق الجماعة و بطلان الجماعة الاخرى في الوقت الذي لم تنجح و الحكومات بتأسيس دول مدنية تكون هي الانتماء الاول لمواطنيها فلجؤا الى الكانتونات الاصغر.
    عندما يكون الاستهاف اساسيا ومبائرا للانسان عندها تتراجع مسألة بناء الدولة المدنية الحديثة و تطوير الاقتصاد و تحرير الفكر....الخ الى مراتب ثانوية في اولوياته.

    Is it easier not to think?
    ربما.....

    انتظر المزيد من الملاحظاتو الاسئلة

    ردحذف
  5. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  6. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  7. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  8. about "criticism of power"I completely agree,& I always do...

    thinking in complicated stuff may sometimes cause only confusion,sometimes it's easier for many people to move with the drought

    I found it in some Shite's references to Imam AlBaqir.

    yes we look for perfect people,it's a human thing,totally agree with u.
    but a point to say,when I read anything about Imam Ali I always get impressed,this man is a legend,really

    thanks to Google translation :)
    u r welcome.

    ردحذف