السبت، 3 ديسمبر 2011

حمى الماسونية و هلوسة الربيع


لقد احدث الربيع العربي هزة ارتدادية في العقل العربي الذي اضحى اشبه بالمستنقع الراكد لعقود خلت,عقود كانت الحياة السياسية فيها عبارة عن تنافس عاهرٍ في تأليه الفرد و تمجيده,ليست الحياة السياسية فحسب,الاداب,الفنون والرياضة ,كل شيء... كل شيء كان متمحورا حول فكر القائد الملهَم الذي ما ان قاربت ساعته(حفظه الله) حتى بدأ التحضير لسليل الاسرة الكريمة ليرث العهد طبعا وفق الارادة الشعبية و تطلعات الجماهير.
لقد تبخر هذا البنيان الفكري العميق الاسس مع انبلاج حجب الدخان عن جسد البو عزيزي المتفحم لأجل كرامته و بدأت امبرطوريات الورق تتهاوى شيئا فشيئا امام اجساد الفقراء العارية,وبدا اعلام البلاط بشكل واضح عاجزا عن مسايرة سيل الغضب الجارف الذي يتقدمه شباب لا ينتمون بغالبهم لأي من الجهات السياسية التي اعتادت العمل المشبوه تحت الارض درئا لقمع العسس ورجال الامن.
ومن الطبيعي ان تستغل هذا الحراك و الفراغ الناشيء عنه قوى مختلفة على رأسها قوى الاسلام السياسي التي استغلت عقود القحط السياسي و الفكري لتبني لها قاعدة قوامها احزمة البؤس و الفقر الذين يسهل ان يباع الدين و يشترى بين ساكنيها البسطاء لتركب هذه القوى التيار و تصل الى عرش السلطة.
 وكذلك من الطبيعي ايضا ان تستغل القوى الخارجية هذا الحراك الذي اطاح بوكلائها من رجال المخابرات لتعيد تقييم ستراتيجيتها وفق معطيات جديدة لا اراها تبشر بخير,نعم ارى ان المخطط الكبير للقوى الكبرى هو دفع الجهات المتشددة للوصول الى الحكم و اغراق المنطقة في معركة طائفية كبرى سأتحدث عن تفصيلها في مقال اخر.
اعتادت العقلية العربية التقليدية ان تعزو الاحداث الى مصدر خارجي اما الارادة الذاتية و الرغبة في التغيير فقد تم التنازل عنها و دون مقابل.لذل نجد ان تعليل اي حدث مهم ولا سيما الربيع العربي لا يعدو ان يكون"مؤامرة" او "من علامات الساعة".
وسط هذا الارتباك و الرؤية الضبابية تطل نظرية المؤامرة المعشعشة في العقل العربي برأسها من جديد تحت عناوين مختلفة يقع معظمها ضمن مشاهد فديو و مونتاج من اشهر امثلتها مسلسل ذاع صيته في الاونة الاخيرة تحت عنوان "القادمون" الذي مزج الرؤيتين التأمرية و الغيبية ليلقى رواجا بين اوساط الشباب.
"الماسونية" تلك الحركة الغامضة التي ترجع الى طائفة دينية يهودية الاصل ظهرت بعد صعود السيد المسيح لتبشر بأفكار جديدة ومبهمة و لها نظام تركيبي معقد كانت ضالة العقلية السلبية الخاملة و ضالة اعلام الانظمة المتهرئة معا ليتم تضخيمها و المغالاة في حجمها حتى خلنا انها تحكم كل مفصل في العالم تسيره كما شاءت و هو من مستحيلات السياسة في هذا الزمن تماما كما كبروا اسرائيل في نظرنا تمكينا لبطشهم و تبريرا لعجزهم حتى كشفت مجموعة من مقاتلي لبنان انها اوهن من بيت العنكبوت ,لا ازال اذكر مدرس التاريخ-الذي يميل الى الاخوان المسلمين- وهو يتحدث عن حركة الاصلاح الاسلامية و رموزها كالشيخ جمال الدين الافغاني و الشيخ محمد عبده وعشرات الشعراء و الكتاب كعملاء"للمحافل الماسونية" التي وظفتهم كما وظفت مصطفى كمال اتاتورك و غيره لخدمة مشروعها الرهيب.
ان هذه الفديوات بدأت و بكل براعة بالتنقيب و الربط بين رمز "البيبسي" و الصورة المعكوسة في المرأة لأشارة"الكوكا كولا" و كارتون "البوكيمون" و سوار على معصم "وائل غنيم" و شعار في سترة مؤسس موقع الفيس بوك و صورة على ورقة الدولار الامريكي كأدلة قطعية على ان كل ما يجري مؤامرة يقودها العقل الماسوني لاسقاط الانظمة العربية التي "تقف سدا منيعا" بوجه المشروع الاسرائيلي(تلك الانظمة التي هزمتها اسرائيل خلال 6 ايام فقط!!)ولا يدهشني سوى رواج تلك الافكار بين الشباب المثقف,وصل الامر الى ان اعادة تلميع صورة الزعيم الالماني ادولف هتلر و اظهار كلمات له يهاجم فيها اليهود كأدلة على ان الماسونية شوهت صورته الناصعة و كأن مخاصمة اليهود وحدها تكفي لمنح صك الغفران لرمز من رموز العنصرية و السادية في العالم.
ان التشويق في الطرح و ربط الغيب"قيام الساعة و المسيح الدجال و المسيح الحقيقي و الامام المهدي" بالمؤامرة"الماسونية و الصهيونية و التشابه في الشعارات" وصفة سحرية لتعطيل العقل و استدرار الشعور بالخوف و بالتالي اللجوء نحو كنف الانظمة او المؤسات التابعة لها من باب"الشين التعرفه".
نعم قد تكون شعارات الاندية الرياضية او المؤسسات الرقمية مشتقة من شعارات اقدم لحركات دينية من ضمنها النجمة او الصليب او الماسونية ولكن ثم ماذا؟؟؟ان هذه الطوائف جزء من الموروث الثقافي للولايات المتحدة و اوربا و في الحقيقة ان كان رئيس موقع الفيس بوك ماسونيا فمن الاولى ان يخفي"مؤامرته" على "ولاة امور الامة" ولا يضع شعار الماسونية في سترته التي يرتديها جميع موظفي الموقع العملاق...
ثم ان مواقع التواصل الاجتماعي لا تحرض الجماهير من تلقاء مؤسسيها كل ما تقم به هو توفير وسائل سريعة للاتصال بين الناس يكتبون و يعرضون ما ارادوا,ان المؤامرة و الاهانة الحقيقية للاسلام هي في تصرف رجل الامن الذي يأمر المواطن العربي بالتشهد"لا اله الا فلان" رئيس النظام و ليست في موقع التواصل الاجتماعي الذي تبث هذه المقاطع"لتثير الناس على حكامهم".
نعم فلنفترض ان للماسونية خطة في ما يخص العالم العربي....هل لنا نحن خطة؟؟؟؟
يجي ان نُشفى من جنون الارتياب هذا و ان نبدأ بصناعة مستقبلنا مؤمنين بأن لكل منا دور فيه و على كل منا مسؤولية تدهور الاوضاع
ام ان كنف القائد الضرورة او عباءة امير المؤمنين هي الحل؟؟؟؟
اختم مع الشاعر فاروق جويدة:
عار علينا ان نقول بأنهم متأمرون
عار علينا ان نقول بأن اطهر من لدينا خائنون
عار علينا ان نقول بأن ثورتهم جنون في جنون

هناك 3 تعليقات:

  1. لو ما يطلع اوباما يقول "الان يعني الان"
    لو تحترك ساحة التحرير مبارك لن يتحرك قيد انملة عن الكرسي والامثلة كثيرة عن الثورات الاخرى
    ثورات كثيرة سكت الاعلام عنها فتلاشت وكأن شيئاً لم يكن
    شرطة لندن استخدمت الخيل لتفريق المتظاهرين ولم ينتبه احد وبلطجية مبارك استخدموا الجمال فكانت واقعة الجمل! والحكومة العراقية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت طائرات الهلكوبتر لقمع مظاهرة ساحة التحرير فلماذا لم ينطق أحد؟
    ثوار لندن وثوار فلسطين استخدموا الفيس بوك فتم تعليق نشاطهم على الفيس على عكس ثورات الربيع فكلما عطلت حكومة الدكتاتور خدمة موبايل وانترنت فتح لهم تويتر خدمة الرسائل الصوتية وغيرها الكثير من المواقع ... وما ثورة احتلوا وول ستريت عنا ببعيد
    لكني أؤيد نظرية كذبة تضخيم الماسونية واسرائيل التي كانت تستحوذ علي قليلاً حتى رأيت كيف تكشفت قضية اغتيال المبحوح
    اطلت

    ردحذف
  2. كلمة بعد أخرى
    ومقالة بعد اخرى
    اجد نفسي انبهر اكثر باسلوبك الرائع والشيق في الطرح

    دمت صديقي

    ردحذف