الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

ويل للعرب من شر قد اقترب

لقد شكلت صورة الجماهير المتدفقة الى الميادين لتستقبل بصدور عارية رصاص العسس ورجال الامن و قذائف الجيش المكلف بحمايتها نقلة في حياتنا و نمط تفكيرنا...صورة الفتاة الشابة التي تخرج من قوقعة الموضة لتنزل و تدوس على صورة الزعيم الذي اغتصبت صوره و تماثيله الشوارع و الساحات لنصف قرن و لينادي الشاب"السيس" بالحرية و العدالة الاجتماعية و ليقف "الاخوان" الى جانب"الناصري" و "الشيوعي" امام الات القتل وجلاوزة السلطان...لقد كان ربيعاً بكل ما يمكن ان تصفه هذه الكلمة و اكثر...
وفي هذه اللحظة و بعد مضي سنتين و نيف من هذا الربيع بدى جليا ان هتافات نوارة نجم و تطلعات وائل غنيم قد اقصيت عن الساحة كما اقصي الاخير عن منبر الخطابة
  من قبل حرس القرضاوي الذي عاش في قطر بظل السلاطين و عاد لمصر ليدخلها دخول الفاتحين...نعم لقد تجاوزت الاحداث امال البوعزيزي واحلام خالد سعيد و لم يعد لخالد يوسف طموح سوى ان يحافظ على هامش لأبداعه الفني بمنأى عن "سيف المحتسب" الذي يسير لوراثة "مقص الرقيب" بينما انزوى البرادعي الى "تويتر" ل"يغرد" فيه بطوباوية تكشف عن احباطه واحتضاره سياسياً....
لقد كرمت توكل كرمان وحصلت على جوائز دولية اما حكم اليمن فمضى بمناصفة بين الرعيل الثاني من نظام صالح وحزب الاصلاح السلفي بينما انزى الحوثيون في الشمال يعززون خنادقهم و عاد الحراك الجنوبي لخيار الانفصال بعد ان وجد ان الثورة التي جمعت اليمانيين اقتسمت دون مشورته.
في ليبيا يمسك بالسلطة الاسمية ازلام العقيد المجنون الذين انشقوا عنه تباعاً رغبا بدراهم حمد او رهباً من صواريخ الناتو ليصبحوا ابطالا و هم الذين عاشوا حياتهم كلها في فيلل العقيد وفنادق الثورة...اما طموح الجنرال الشهيد عبد الفتاح يونس فقد اصبح طي النسيان كما دمه الذي ضاع هدراً...يبدو ان دماء الحريري اغلى ثمناً من هذا الليبي المسكين.
اما على الارض فيحكم كل منطقة من ليبيا مجموعة من البدو السلفيين مسلحين بأثقل ما انتجه العالم من سلاح يمارسون فيه عاداتهم بالخطف و الترهيب و اخذ الاتاوت و من ثم  يرشون الله باقامة بعض"الحدود الشرعية" فيربحون الدين و الدنيا معاً كما هومسلك البدو المعتاد و كم يحدث ان تحاصر او تحتل احدى هذه المجموعات معبرا او بلدية او مطارا فتتفاوض الحكومة"الشكلية" معهم فينسحبون مقابل مبالغ من اموال العقيد المجمدة او بمكرمة من امير قطر ادامه الله لطلاب الحرية ليتجهوا الى مراكز الطرق الصوفية و مقاماتها فيمعنوا بها هدما و تحريقا كما فعل اقرانهم المصريين ونادرا ما تشير وسائل الاعلام الى هذه الحقائق حتى تصور البعض ليبيا جنة للديموقراطية.
وهكذا ترتسم ملامح صورة مخيفة استشرف منها امراً كم اصلي ان يكون مجرد اضغاث احلام لا يكون منها شيء على ارض الحقيقة ولكني اثرت ان اشاركه على هذه الصفحة المتواضعة.
ان الذي يجري في الشرق الاوسط هو عملية ممنهجة لتحطيم بنية الدول -التي اهترأت اصلا خلال نصف قرن من عفن الانظمة- و تدمير جيوشها و اجهزتها المدنية و الامنية و العسكرية و من ثم توزيع السلاح ما خف منه و ما ثقل في شوارعها بلا ضابط ليقع بيد اشد الناس سفالة و غلظة و اجراما بينما تصرف المليارات ليدخل التيار الديني السلفي المتشدد هذه المجتمعات وتصرف مليارات اخرى لتأجيج الخطاب الطائفي اعلاميا وعلى جميع الاصعدة...
ان الذي يجري حاليا في سوريا امر جلل فجيش النظام البعثي يرمي قذائفه يمينا و شمالا لا يلوي على شيء سائرا بمقولة"عليه و على اعدائي" او الماثور عن مقبور البعث الاخر صدام حسين"ما انطيها الا كاع" بينما تتجمع كتل هائلة من مقاتلي السلفية الجهادية في ليبيا وشمال لبنان و على الحدود التركية و قيل في الاردن ايضا لتدرب و تسلح و تدخل الى سوريا بقوة رهيبة اعجزت جيش النظام بكل قوته و عنفه و جبروته.
ولا تخفي هذه الجماعات توجهاتها الاصولية التي يغلب عليها الجانب الطائفي لتعلن بين حين واخر مشروعها في"فتح" الشام والانطلاق منها نحو فجر الخلافة الموعودة.
ان ما نتوقعه هو انهيار النظام السوري عاجلا ام اجلا بتأثير الضغط المتواصل عليه ثم تبدأ سوريا دوامة من العنف يكون ضحاياها بالدرجة الاساس من موالي النظام او المتهمين بموالاته خاصة الطائفة العلوية و المسيحية و اتباع الطرق الصوفية ثم تبدأ مرحلة صراع بين القوى الاسلامية حتى تثبت احداها انها الاقوى فتسيطر بشكل قلق على معظم اجزاء سوريا...
اتوقع ان تبدأ شرارة الحرب الطائفية بعد ان تكتمل عناصر المسرح بأعتداء على مرقد السيدة زينب في دمشق ليجر ذلك ردود فعل مدروسة او غير مدروسة في لبنان و العراق لتبدأ الاشتباكات بالاتساع تدريجيا- مع وجود قاعدة صلبة للسلفيين في سوريا و ليبيا و اجزاء كبيرة من اليمن مع احتمالية اطلال الحركة الاصولية في الجزائر براسها من جديد- تكون اول مجرياتها في طرابلس اللبنانية حيث سيقضى على التجمع العلوي بعد معارك ليست بالسهلة ليبدأ الصراع مع حزب الله...الحزب الذي خبر القتال و فنونه لثلاثين عاما حتى تمكن من الحاق هزائم متعددة بالاسرائيليين ويمتلك ترسانة سلاح هائلة في مواجهة امواج من المقاتلين الاشداء...سيكون صراعا طويلا و مضنيا و مذبحة حقيقية ونتوقع موجة هجرة كبرى للطائفة المسيحية التي لا تملك المصلحة ولا القدرة للدخول في هذا الصراع...
اما في العراق فمن المتوقع حصول مضايقات كبيرة لأهل السنة العراقيين نتيجة الاحداث في سوريا ولبنان وسط تسرب تدريجي للمقاتلين من سوريا التي ستصبح كما كانت يوما افغانستان نقطة التجمع والانطلاق للمتشددين الذين سيلهيهم الصراع الطائفي عن خلافاتهم الداخلية..حتى تتطور الامور لأنفجار مسلح في الداخل العراقي وقد يكون نتيجة اعتداء شيعي على احد المراقد السنية او العكس ليبدأ الصراع الدامي في محافظات بغداد و ديالى وصلاح الدين بينما تتعرض الاقليات المذهبية في المحافظات الاخرى  لشكل من اشكال الابادة.
اما دول الخليج العربي فلن تكون بمنأى عن هذا الاقتتال الا انها ستكون قد اتخذت من الاحتياطات ما يجعله اخف وطأة عن الساحتين الرئيستين(لبنان و العراق) خاصة ان الاقليات الشيعية هناك ضعيفة و لا تمتلك قدرة على هز الوضع الداخلي-بأستثناء الكويت ربما-بينما يتوقع تدفق الاسلحة من ايران الى حلفاءها في العراق و لبنان و الخليج و اليمن و رواج مهنة تهريب السلاح مع وجود منابع غنية له في السودان و كردستان والصحراء الافريقية, بينما سيقوم المجتمع الدولي بمبادرات كاريكاتورية للمصالحة او تقديم المساعدات لتبييض صورته بعد ان قام هو بأشعال فتيل هذه الحرب فتراه-كعادته- يرسل اكياس القمح بيد و يرسل اطنان الاسلحة بيد اخرى اما الكاميرا فلن تصور الا ما تريد!
وبأستمرار هذه المذابح لا يمكن لأحد التكهن بما ستؤول عليه الامور غير ان الصراع العربي-الاسرائيلي سيكون ملفا مطويا في انتظار نهاية الصراع الرافضي-الناصبي التي لا تلوح في اي من الافاق.
وهنا اوجه نداءا الى الاطراف التي يمكنها ان تقف لمنع هذا المسار الجنوني المتسارع لأقول ان الخطوة الاولى هي ان تجتمع الدول المرشحة للاحتراق بهذه النار موقفا مسؤلا في ترميم كيانها الوطني و تقوية جيشها عددا و عدة و نوعية و ازاحة عناصر الافساد و المحسوبية و القرابة كما يجب ان تعي الشرائح الاجتماعية ان هذا الصراع سيهلكها ولن يخدم اياً منها بأي حال...فأهالي مناطق التماس-من الطرفين- سينزحون تاركين منازلهم الى مخيمات حقيرة في البراري او المدارس متخلين عن حياتهم و اعمالهم ناهيك عن القتلى و المختطفين و اعمال التعذيب و الاغتصاب و ما الى ذلك...اما المناطق البعيدة نسبيا عن حدود الصراع فستكون عمقا ستراتيجيا لمسلحي الطائفتين و سيسود هؤلاء فيها فارضين نسختهم من الدين على قدر عقولهم المجهرية و اسلتحتهم الضخمة وستنتشر اعمال الجلد و قطع الايدي و ستقمع النساء و سيجر الرجال جراً نحو الحرب اما الدراسة و الاعمال التجارية و ما شاكل فاقرأ عليها السلام...لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والويل لمن يعترض...طبعا لا حاجة بنا لذكر ان هذا الوقت ستملؤه خطابات التكفير و التفسيق و التحريض على منابر المساجد وسيعتبر الصوت المعتدل خائناً للطائفة...لذا ينبغي للجميع ان يساندوا كيانهم الوطني ازاء المليشيات الفئوية قبل استفحالها و ان يعملوا لحصر الفتنة قدر الممكن.
اما الطرف الاخر الذي سيلعب الدور المهم هو الطرف المصري و بالذات حركة الاخوان المسلمين فيها اذ يمكن لمصر ان تقود محورا معتدلا لايقاف الصراع و ان تشكل سدا بوجه الافكار الظلامية و مرتكزا للاستقرار كما يمكنها ان تكون جسرا للفتح السلفي الممتد من ليبيا الى اليمن كما سيكون للموقف التركي اثره الهام في الموضوع.
اما ايران و دول الخليج و المنظومة الغربية فهم اطراف رئيسية في هذا الصراع ولن يكون لها الا صب الزيت على الجحيم.
اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد...

هناك تعليقان (2):