السبت، 3 نوفمبر 2012

الغدير...بين البيع والبيعة

لطالما كنت اتجنب الدخول في تفاصيل الخلافات السياسية في صدر الاسلام الاول خاصة تلك التي تمتد ما بين اجتماع السقيفة واغتيال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وما يتعلق بها من خلاف مذهبي شديد...
ان"زبدة" البحوث التاريخية تتلخص في ان الرسول قد اعلن امام جمهور المسلمين قبيل ارتحاله عنهم ان علي بن ابي طالب وليهم من بعده...وان عليهم ان ينصروه ويطيعوه في ما رأى كما والوا الله ورسوله من قبل.
ومرت الايام والسنون والقرون المتطاولة وهذه الحادثة تزداد اثارة للجدل بين جميع المذاهب الاسلامية كل يحاول ان يجر نارها الى قرصه...الشيعة يرون فيها بلاغا الهيا بامامة علي الدينية والسياسية وعصمته الكاملة...المعتزلة يرون فيها ترشيحا وتزكية لعلي دون نص الهي واضح صريح ملزم...المتصوفة يرون فيها تبيانا لمقام روحي وديني لا يختص به غير علي-امير طرائقهم الاكبر- ويضربون بالمواقع السياسية عرض الجدار....بينما يسعى اهل السنة وخاصة الاتجاه السلفي الى تغييب الحدث او تمييعه والقول ان ولاية علي انما يقصد منها المحبة العامة بين جميع المؤمنين.

وبينما ينزوي المتصوفة والمعتزلة يزداد النزاع بين السنة والشيعة فكلما اوغل هؤلاء في تناسي الحدث اوغل اولئك في تسليط الضوء عليه حتى جعلوه عيداً يحتفون بيه كل عام بأشعال الشموع وتوزيع الحلويات والدعوة للاحباب بالثبات على وصية الرسول الاعظم بولاية الامام علي..

والحقيقة ان مع كل هذا الضوضاء ارى علياً اكبر المغيبين عن ساحة الاسلام وكلما ازداد صخب الصراع ووهج نيران الاقتتال بين عوام الطائفتين ورجال الدين كلما انزوت روح علي بن ابي  طالب...الرجل الذي نذر عمراً بين السابعة والسبعين في ثورة مستمرة على اصنام الحجر والبشر والقبيلة والمال...
الرجل الذي ترك الخلافة مستصغرا امرها يوم شحت نفوس غيره بل ورفضها حين عرضت عليه ولم يتولها الا بشبه قسر من جماهير ملت الاستبداد والفساد المقنع براية الخلافة....
الرجل الذي لم يحفل يوما-ناهيك ان يحتفل- بمنصب لم يكن يراه اعظم من ورقة في فم جرادة تقضمها....
الرجل الذي عاصر الرسول ولازمه منذ طفولته بينما لا تعطيه كتب الحديث ومنابر الوعظ الا الجزء الهامشي من خطبها ولا تتناول الا سيفه البتار وشجاعته واقاصيص بين الكرامة والخرافة لتقصي صراعه المرير مع القبلية والتعصب و الاستبداد الديني والسياسي عن المنبر الذي بناه بسيفه وصوته وعرقه ودمائه .

نعم ان في ما نشهده اليوم من احتفاء بعيد الغدير شيء من الروح العفوية الطيبة,روح الفقراء العاشقة لحروف اسم علي والتي رأت في وصية الرسول نصرة لمن ناصرها وولاية لمن والى جوعها وعاش خصاصتها...بيعة لأنموذج وحيد مثل غاية احلامهم واقصى امانيهم في رجل يسلمون اليه قيادهم.

كما ان فيها جزئا اخر هو طبل وزمر وصخب في سوق يريد اصحاب الدكاكين فيه ان يبيعوا عليا واسمه وصورته و تاريخه بثمن بخس...نعم يبيعون عليا ليشتروا عقول محبيه فيعطلوها...وقلوبهم الصافية البريئة ليملئونها بالعصبية والفئوية....

لا ادري ما كان علي ليفعل وهو يرى ايتامه يبيعون قصاصات الاحراز واقمشة خضراء بوجوه كالحة ونبرة مستعطفة متذللة وبرائة مسحوقة بينما يمد"السادة" سدنة القباب الذهبية ايديهم ليقبلها الناس ويتبرع بعضهم ببصاقه للبركة...بينما يمر "خادم الحسين" وبيمينه خاتم هو علامة ايمانه وسط ندائاتهم التي طالما كرهها علي...ونبيه من قبل"سيدنا" و"مولانا"...

لقد حمل علي القرآن في قلبه وحمل معاوية القرآن على الرماح...واليوم ارى كثيرا ممن يحملون علياً ولكن فوق رماح معاوية....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق